الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: فهذه بعضُ الموضوعات التي تختصُّ بالمرضى والمصابين وما يدعون به، والرقية الشرعية……)
وأسأل الله أن يتقبَّله بقبول حسن وأن يكتب له القبول، وأن يُعظم فيه النفع، وأن يجزي كلَّ من ساهم في طبعه ونشره أعظم الجزاء، وأوفره، إنَّه سميع الدعاء، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.
مَا يُرْقَى بهِ المَرِيضُ
لقد جاء في السُّنَّة المطهرة أنواعٌ من الأذكار والأدعية يُشرعُ أن يرقى بها المريضُ، وقد جعلها اللهُ سبباً للشِّفاء والعافية، وسأتناول طائفةً مباركةً من هذه الأذكار والأدعية، وإنَّ أعظمَ ما يُرقى به المريضُ فاتحةُ الكتاب أمُّ القرآن، فإنَّها كافيةٌ شافيةٌ، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أَنَّ رَهْطاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا بحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بكُمْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، فَسَعَيْنَا لَهُ بكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللهِ، إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِنْ وَاللهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بهِ قَلَبَةٌ [أي: ألَمٌ وعلَّة]، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُم الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنَذْكُرُ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرُ مَا يَأَمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بسَهْمٍ" صحيح البخاري (رقم:5749) ، وصحيح مسلم (رقم:2201) .
فدلَّ هذا الحديثُ على عِظم شأن هذه السورة، وأنَّ لها تأثيراً عظيماً في شفاء المريض وزوال علَّته بإذن الله.
قال ابن القيم رحمه الله في التعليق على هذا الحديث: "فقد أثَّرَ هذا الدواءُ في هذا الداء وأزالَه، حتى كأنَّه لَم يكن، وهو أسهلُ دواء وأيسرُه، ولو أحسنَ العبدُ التداوي بالفاتحة لرأى لَها تأثيراً عجيباً في الشِّفاء، ومكثتُ بمكَّةَ مدة يعترينِي أدواءٌ ولا أجدُ طبيباً ولا دواءً، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأَرَى لها تأثيراً عجيباً، فكنتُ أصفُ ذلكَ لِمَن يشتكي ألَماً، فكان كثيرٌ منهم يبْرأُ سريعاً" الجواب الكافي (ص:5) اهـ .
ومِمَّا يُرقَى به المريض المعوِّذات {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا" صحيح البخاري (رقم:5016)، وصحيح مسلم (رقم:2192) .
وفي صحيح مسلم عنها رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا مَرِض أحدٌ مِن أهله نفث عليه بالمعَوِّذات" صحيح مسلم (رقم:2192).
وقولها: "بالمعَوِّذات" أي: الإخلاص والفلق والناس، ودخلتْ سورةُ الإخلاص معهما تغليباً لِمَا اشتملتْ عليه مِِن صفةِ الرَّبِّ وإن لَم يُصرّح فيها بلفظ التعويذ (( انظر: فتح الباري لابن حجر (9/62) )) .
وقد دلَّ الحديثُ على عِظَم شأن هذه السُوَر الثلاثة وأنَّها رُقيةٌ وشفاءٌ للوجع بإذن الله، وقد ورد في شأن هذه السُوَر أحاديثُ كثيرةٌ تدلُّ على عِظم شأنها، وسُورَتَا المعوذتين لهما تأثيرٌ عظيمٌ لا سِيَما إن كان المرضُ ناشئاً عن سحرٍ أو عَيْنٍ أو نحو ذلك.
قال ابنُ القيم رحمه الله في مقدمة تفسيره للمعوذتين: "والمقصودُ الكلامُ على هاتين السورتين وبيانُ عظيم منفعتهما وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما�